جوهرة التعكر

باختصار، كان العمدة يغير انتمائه السياسي والحزبي بمزاجية، وبسرعة، كما يغير تبغ "مداعته". وجد شباب القرية في هذه المسألة موضوعاً جديداً للتندر، يساعدهم ربما في كسر حدة الصراع الذي تزايد فيما بينهم منذ أن بدؤوا ينتمون بشكل رسمي ﻷحزاب مختلفة، ليصل هذا الصراع إلى ذروته أيام اﻹنتخابات التي كانت تمدهم بشحنات مفرطة من تباغض محموم. في ساحة القرية، وبعد خروجهم من الصلاة، كانوا يجلسون حوله، وقد أشعل سيجارة، ويبدؤون ممازحته: - أنت اشتراكي ياعمدة ... أكيد!... يهزّ العمدة رأسه نافياً ويضيف مكشراً: - كلا... الاشتراكيون ملاعين...! كذابون... ﻻ فائدة منهم أبداً... خرق مبتلة... صدقوني!... يضحكون... ولكي ﻻ تفوت هذه الفرصة الثمينة لسماع رأي العمدة في البقية يصرخ أحدهم: - يا جماعة العمدة من المؤتمر... رجل دولة... مش أي كلام!... يهز العمدة رأسه نافياً مرة أخرى، ويضيف وقد رفع حاجبيه مستنكراً: - كلا... كلا... أصحاب المؤتمر ملاعين...! سرق!... يعني لصوص!... عليك أن تحترس منهم دائماً... يستطيعون أن يلتقطوا اللقمة من فمك بسرعة البرق!... - إصلاحي إذاً؟!... أخيراً يا عمدة رجعت إلى جادة الصواب!... - إلى جا... ماذا؟ المطاوعة ملاعين...! خنازير... يعني نجاسة على نجاسة... يحقدون عليك حتى وأنت جثة هامدة... صدقوني!... يقهقه الجميع وقد تناسوا خلافاتهم، ثم يسترسل أحدهم ضاحكاً: العمدة من حزب الخُضر... صديق البيئة...! حينها يشعر العمدة بالضجر، كأنما لم يعجبه اﻷداء المسرحي الذي أصبح دون المستوى، فينهض قائلاً باستهزاء وخبث صادم، وقد رسم بأصابع يده النحيلة إشارة قبيحة في وجه صاحب الصوت: - صديق أمك يا ملعون!....